أما القاعة الثالثة فهي بمثابة فضاء روحاني للتأمل ولعلاقته بالبتراء مأواه الأخير، حيث تم عرض صورة مكبرة لجبال البتراء في الصباح الباكر وأخرى لخالد شومان مُطلا عليها، كما خصصت زاوية لعرض فيلم على اتساع الحائط قامت بتصويره سهى شومان، في لحظات غروب وشروق عديدة، مـن منـزل العائلة في منطقة البتراء، والذي تطل شرفاته على مساحات خلابة من الجبال والهضاب، وفي هذا الفيلم يتجلى سحر المكان عند انبثاق الضوء عبر الغيوم والضباب، وحوارات الضوء والظل مع تفاصيل المكان، وتحولات الطبيعة البديعة والزمن.

وعلى الأرض رتبت مجموعة أحجار بركانية سوداء أصطفت كالجند أو كأحجار مسبحة شكلتها سهى شومان على هيئة مربع بما يوحيه هذا الشكل من دلالات الإيقاع المتناغم للكون وبما يشير إليه من حضور الروح وديمومة الحياة والعلاقة العميقة بين الأرضي والسماوي؛ فهذه النقاط الملموسة المرتبة من الحجارة بلقائها مع الطبيعة في العرض الأثيري لفيلم الفيديو، وسط الفضاء المعماري الحالم لدارة الفنون، تأخذ المتفرج إلى حالة من التأمل العميق التي تعيد السكون والطمأنينة للروح الهائمة في المادة المصورة بتداخلها مع عناصر الحياة من شمس وغيوم، بينما تظهر قمم جبال البتراء تملأ الأفق في هذا العرض المتواصل لدورة الحياة من الشروق إلى الغروب، بما يوحي بالبعد الرمزي لحياة الإنسان.

 
       
 

وتقابل هذا التشكيل صورة فوتوغرافية لخالد شومان متأملاً على قمة جبل من جبال البتراء، لربما يتفكر في معنى الحياة أو القدر المخبأ للإنسان، معبرةً عن الأمل في حياةٍ جديدة ترى النور، يجاورها قول مأثور لماركوس اريليوس : (فليعبر هذه اللحظة من الزمن متوحداً مع الطبيعة.. مختتماً رحلته وهو راضٍ، مثلما تقع حبة زيتون حين تنضج، شاكرة الطبيعة التي أوجدتها ومباركة الشجرة التي نمت عليها).

هذا التركيب التشكيلي، بعناصره الحديثة والمجردة وذات التقنية العالية التي تتشارك في التعبير عن لحظة إجلال لحياة مضت، يثير الانبهار والاحترام كما يشير إلى مكان تسوده الحياة.

معرض خاص، ولكن من خلال الإبداع التقني والفني، أصبح تجربة تبعث الأمل، ودرساً معبراً في الحياةِ والقيم والميزات والقوة الوجدانية .