7-14/7/2001
تميز الإنسان في خالد شومان
جريدة الأردن

كان الفتى "معمر" يقف خلف السور الخارجي ويشهق بالبكاء وعيناه تذرفان الدمع الغزير. ومعمر لا يزيد عمره عن عشرة أعوام، ولا يمت بقربى أو نسب إلى عائلة شومان فهو من قبيلة البدول الذين استوطنوا عيون موسى منذ ثلاثة آلاف عام.

وكان لي سؤال: لماذا؟ وجاء الجواب "كان الله يرحمه إنسان يحب مساعدتنا.. عالج أخي من مرض التراخوما في عينيه وأصر علي أن ألتحق بالدراسة واشترى لي الكتب.. وكلما حضر إلى هنا كانت هدية الأقلام والدفاتر تصلني".

كان خالد شومان إنساناَ عملاقاَ في إهاب رجل عادي، وكان يبعث بنفح من إنسانيته كلما رأى بؤس مستضعف وحاجة فقير.

وعندما نعى الناعي رجل الاقتصاد المغفور له خالد شومان، بكاه كثيرون ممن عرفوه واعتصر الألم مئات ممن أحبوه وانفعلوا بآلامه وهو يصارع دونما كلل لسنوات قبل العملية الجراحية بسبع وبعدها بسنة ونصف.

ولكن الدمع المنهمر لفراق خالد تميز بالصدق والحميمية ولوعة الفراق...

وقد قال الأقدمون: لكل حي ميعاد.. ولكل كون فساد.. ودنيانا التي شكلها الآباء ما زالت في تبدل.

وأمت الآلاف دارة "العم أبو العبد" لتقديم العزاء، وهناك ذكر لي أحد أصدقاء "أبو عمر" أنه رحمه الله كان يمضي بعض إجازاته في رياضة البحر والغوص في الجزر النائية، وكأني به أراد أن يستكشف غيهباَ جديداَ في لغز الحياة والموت.

يذكر عنه عارفوه أنه كان شديد الانتماء لتراب هذا الوطن، وعميق الولاء لفقراء هذا الشعب، وكم من مرة كان يصول كالفارس الأصيل ليحول دون وقوع كارثة مالية أو تخفيض سعر أو تأخير صرف رواتب المعلمين أو الجنود.

ولئن آثر "أبو عمر" الابتعاد إلى "بترا" التي عشق صخرها وجمال أفقها وأصيل غروبها، فلن يأفل عنا خالد شومان بحضوره وإنسانيته وتواضعه وضحكته المرحة المفاجئة.

لقد أكرم العلي الأعلى "أبا عمر" فطواه إليه ليبقى اسمه خالداَ ومقترناَ بالفكر الاقتصادي الاستراتيجي النير والاصطفاف الصادق مع قضايا بسطاء الشعب ومنكوبي الأمة.

والتعزية الصادقة لشيخ المصرفيين العرب "للعم أبو العبد" والى الأعزاء عبد الحميد وعمر والسيدة سهى "أم عمر".

وتعزية أخرى للفتى "معمر".