4/7/2001
اختار البتراء موئلاً لروحه الطيبة
خالد شومان..رحل وهو يحلم بعالم ملون بالحب والفن والجمال
حسين دعسة
جريدة الرأي
إلى جوار الأنباط، قريبا من تمسك العرب بأصالتهم، وحيث نرى
الرمل والورد والصخر، يحن إلى الجمال وإلى روح الإبداع وخصوصية
المكان...
إلى جوار البتراء،
حيث أحب وعشق اختار الراحل خالد شومان، أن يبدأ تواصله مع
الحياة الأخرى بعد الموت الذي غيبه عنا، ونحن بحاجة إليه،
إلى نظراته الثاقبة، ويده الحنون، وصوته الملائكي،،
في البتراء،
لن يكون خالد شومان وحيدا في رهبة، إننا، والكون، وألوان
الإبداع من كل أنحاء العالم سنكون إلى جواره، نعطره بالبلسم
ونمسح دموع أحبائنا الذين فقدوه.
رحيل
الورد والبلسم
غيم صمت عميق على الوسط الثقافي والفني برحيل الورد والبلسم،
الإنسان الرائع خالد شومان "أبو عمر ورفيق درب الفنانة
المكلومة سهى شومان" التي وهبت الحب والعمر كله من
أجل كحل عيون الفارس الكبير، الذي حمل العديد من الأعمال
والمنجزات الثقافية والفنية والاجتماعية والوطنية، أحبها
وكللها بالورد والرعاية الكاملة، خاصة وأن المرحوم، كان
عاشقاَ للفنون المعاصرة والآثار والثقافة بكل عوالمها ومصادرها.
دارة
الفنون
لثلاثة أيام خلت، غامت دارة الفنون، دارة الحب، دارة الفن
والجمال بالحزن، وها هي تودع الراحل خالد شومان الذي نذر
إمكانياته وفكره ومحبته لتكون محطة، بل مظلة للفن والحياة
وتبادل الخبرات التشكيلية والثقافية، ومن خلال علاقتها بالمؤسسة
الأم، مؤسسة عبد الحميد شومان الثقافية، التي كانت تملأ
حياته وفكره وعمله، من خلال موقعه فيها كنائب لرئيس مجلس
إدارتها، وموجه لحيويتها الأردنية والفلسطينية والعربية،
مما جعلها في مصاف كبرى المؤسسات الثقافية والحضارية في
العالم.
... والى جانب
ذلك، كانت وما زالت دارة الفنون، هوى روحه الرائعة الطاهرة،
التي تطوف في كل شبر من هذا المعلم الذي لن ينسى دوره في
رعاية الفنون والآداب، خاصة وأن الراحل، كان من أبرز وأهم
الشخصيات العربية والعالمية التي تعي معنى الفن والثقافة
في كل المجتمعات وكل الحضارات، ونذر حياته وماله لرعاية
الفنون التشكيلية في الأردن وفلسطين ومعظم البلاد العربية،
وذلك عبر الاقتناء المنظم، الواعي، الذي حقق له في حياته
متعة ثقافية وإنسانية سامية، انعكست على حياته وأسرته وجميع
المؤسسات التي أبدعها وأدارها.
رعاية
متواصلة
لقد أنضم الراحل إلى العديد من المؤسسات الإنمائية في قطاع
الثقافة والفنون وكان عضواَ بارزاَ في مجالسها وإداراتها.
وقدم لها وضحى بالكثير من أجل جعل مشاعلها، مضيئة على الدوم
وكان له حضوره الفاعل في مؤسسة التعاون الفلسطينية ودارة
الفنون والجمعية الملكية للفنون الجميلة والمتحف الوطني
الأردني ومؤسسة عبد الحميد شومان ومتحف الذاكرة الفلسطينية
وجمعية حماية البتراء وعشرات اللجان والمشاريع التي رعاها
ودعم إصداراتها وأفكارها ومنشوراتها الرائعة. وحرص على أن
يتم تعميمها على الجمهور، حتى تصل رسالتها الإنسانية.
مع
فخر النساء زيد
في العام 1984، رسمت الفنانة الراحلة فخر النساء زيد، لوحة
أثيرة وخاصة للراحل خالد شومان. بدا فيها متألقاَ، مشع النظرات
هانئ البال، مع ميل إلى تعب خفي يكمن بين الجفون وعلى الجبهة.
وكذلك حرصت الفنانة
الراحلة، على أن تكون الصورة، في هذه اللوحة بسيطة، مفعمة
بالبياض، دليل الهدوء والسلام والنفس الطيبة الحنون، ووقعتها
بتوقيعها العربي إلى أعلى اليسار. وفي حضرة غياب الراحل،
نجد، ضبابية اللون الأصفر، وقد بدا في جوانب اللوحة كئيبا
موشحا بالسواد، وكأنها كانت تتنبأ بفراستها بالمتاعب الخفية،
التي مرت بحياة هذا الفارس من آل شومان، وما يعتمل في قلبه
الأبيض من أفكار وأحزان وانشغالات على الأرض والوطن.. وتحديداَ
القدس التي عشقها وناضل وجاهد من أجلها، داعيا وداعما لمئات
المشاريع ومنع تهويدها.
روح
البتراء
في دروب الجنوب، والى تلة، تشارف الطرق المقدسة إلى الديار
النبطية، كان اختيار الراحل، لترتاح نفسه الطيبة وتهدأ من
معاناة 70 عاما، أحب فيها الناس والأرض وعوالم الثقافة
والفن، أساس ما أحب، ولهذا جسد حبه لأرض النبط، وقرر الهدوء
الأبدي في البتراء، يدوم تصوفه وتنسكه بأسرارها وخاطرها
الإبداعي الذي يغسل نفوسنا وأحلامنا.
|