2/7/2001
خالد شومان..وداعاً
سلطان حطاب
جريدة الرأي

فجع الكثيرون في الأردن والعالم العربي بانطفاء نجم علم اقتصادي ساطع ظل يضيء مساحات واسعة في الاقتصاد من خلال البنك العربي.

صحيح أن الإنسان يصنع المؤسسة.. والمؤسسة تصنع إنساناًَ يدين لها بقدرات إضافية حين تكون راسية الجذر قوية البناء.. وقد كان خالد شومان ممن ساهموا في صناعة مؤسسة البنك العربي من موقعه المميز كما كان في سلوكه ابن هذه المؤسسة التي تركت بصماتها على من عملوا معها.

التقيت المرحوم مرة عند أحد الأصدقاء قبل اكثر من عشر سنوات، وكان مدعواَ على غداء، وفي الساعتين اللتين جلسنا فيهما كنت أتوقع أن يتحدث في المال أو الاقتصاد أو البنك أو أن أقابل رجلاَ متجهماَ لا يتعاطى إلا مع الأرقام.. ولكن خالد شومان لم يكن كذلك.. لقد تحدث في التاريخ والأدب والموسيقى وفي عادات الشعوب وتقاليدها وميزة أنواع من الرياضة.. كان دائماَ صافي الذهن غير مشتت يحسن السماع ويجيد الحديث بهدوء، ويترك لدى سامعه إحساساَ عميقاَ بقيمة ما يقول.. كان صافياَ في طلعته وبقول من عرفوه أنه أيضا كان صافياَ في سريرته يلتزم ويصدق.

كان خالد بشوشاَ وكان ليناَ واسع الصدر لا يغلق باباَ على موضوع فيه أمل أو رجاء لأحد. وقد أعطى بسلوكه هذا البنك العربي لوناَ إضافياَ كان ضرورياَ لمؤسسة عرفت بالتقليدية والصرامة والتحوط الشديد في التعاطي مع الزبائن.

حين تقابله وتتعامل معه أو تسافر فان آخر ما يمكن أن تفكر فيه هو أن هذا الرجل "بنكي" أو رجل اقتصاد لأنك تلمس أن آخر شيء تجده فيه هو وظيفته أو ما عرفته الناس التي لا تعرفه عنه!!!!

كانت الأشياء الصغيرة ترضيه.. وكانت الأشياء الصغيرة تفرحه.. وكانت الأشياء الصغيرة ذات الطابع الإنساني تستوقفه.. لكنه كان بعيداَ عن التفاصيل التي تأخذ الاقتصاديين والماليين وتحيلهم إلى آلة أو تجفف فيهم ملامسة الحياة الدفاقة بالبساطة.. ورغم وراثته لبساطة والده المؤسس عبد الحميد إلا أن خالد خريج كامبردج كان عميق الثقافة، لديه تأني المدني وهدوء من امتلك عراقة النسب والحسب فكان اسمه عبئاَ جميلاَ عليه.

يرحل خالد شومان عن أصدقاء كثر ومحبين كثر فجعوا بموته وأحسوا بالحرقة والغصة، والفقدان رغم معرفتهم بمرضه الذي أصاب خبره أكثرهم بالصدمة والألم.. يرحل بعد عمل طويل مثمر وشاق ساهم به في بناء شركات ومؤسسات ومواقع اقتصادية حظيت بسمعة طيبة ومصداقية عالية.. فقد كان اسمه كفيلاَ بجذب المستثمرين والمتطلعين لنجاح مشاريعهم واستثمار أموالهم.. فقد ظل دائماَ قريباَ لأسئلتهم واستفساراتهم وأميناَ على أسرارهم المالية ومساهماتهم.

ولو كان أصدقاؤه يكتبون عنه انطباعاتهم وحلاوة عشرتهم له وطيب علاقاتهم به لجمعوا عنه مجلدات ولقالوا فيه الكثير من الشهادات التي تروي مواقف جديرة بالتدوين. وأعتقد بأنه سيأتي اليوم الذي يدون فيه جزء كبير من حياة خالد شومان سواء ما سيكتبه أصدقاؤه عنه، أو ما سيدونه البنك العربي كمؤسسة نأمل منها أن تقدمه للناس بين دفتي كتاب.. كما قدمت من قبل والده المؤسس الراحل عبد الحميد شومان الذي حمل لقب "العصامي" و جاء الكتاب الذي يحمل نفس الصفة.. فان كان العصامي هي صفة والده فان صفة خالد شومان هي "الصادق البشوش".

رحيله خسارة للاقتصاد الوطني وخسارة للبنك العربي.. وخسارة لبنوك أخرى ومؤسسات وشركات وخسارة لأهله وعائلته وأصدقائه ومعارفه وخسارة لفلسطين والأردن والعالم العربي.. وخسارة للنجاح والتصميم وقيم الحق والصدق في التعامل.. وسيترك رحيله فراغاَ وسيكون العزاء هو عمله الكبير الذي تركه وخلفه ابنه عمر وبقية أهله.. فلخالد الرحمة ولروحه السكينة وإنا لله وإنا إليه راجعون!!